فصل: (فرع: السلم في المعدن والأواني والعلوق)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: السلم في الترياق والراوند]

قال الشافعي: (ولا خير في شراء شيء خالطه لحوم الحيَّات من الترياق).
وجملة ذلك: أن لحوم الحيّات نجسة، والترياق يخالطه لحوم الأفاعي، فلا يجوز بيعه. ويخالطه أيضًا لبن الأتان، وهو نجس على المنصوص، فلم يجز السلم فيه لذلك، ولأنه أخلاط.
فأمَّا السُّم: فإن كان من لحوم الحيات.. فهو نجس، ولا يجوز بيعه. وإن كان من نبات الأرض، فإن كان يقتل قليله وكثيره.. لم يجز بيعه؛ لأنه لا منفعة فيه.
وإن كان يقتل كثيره، ويتداوى بيسيره.. جاز بيعه، والسَّلم فيه.
وقال القاضي أبو الطيب: يجوز بيع قليله، ولا يجوز بيع كثيره.
قال ابن الصبّاغ: وهذا ليس بصحيح؛ لأنه إذا جاز بيع قليله.. جاز بيع جنسه؛ لأن فيه منفعة في الجملة.
ويجوز بيع الراوند والسلم فيه؛ لأن فيه منفعة، وهو أنه يستعمل في الأدوية وإن كان يستعمل في النبيذ، وهذا هو الصحيح.
وقال أبو سعيد الإصطخري: لا يجوز بيعه. وهذا ليس بشيء.

.[مسألة: السلم فيما يوجد ويؤمن انقطاعه عند المحل]

لا يجوز السلم إلاَّ في شيء عامّ الوجود، مأمون الانقطاع وقت المحل. فإن أسلم في الصيد في بلد لا يجود فيها الصيد إلاَّ نادرًا، أو في بلد يكثر فيها الصيد، إلاَّ أنه جعل المحل فيه وقتًا لا يوجد فيه غالبًا، أو أسلم في الرُّطب وجعل محل السلم زمانًا يكون فيه أول الرطب أو آخره، فيوجد فيه نادرًا.. لم يصحّ السلم؛ لأن ذلك غرر فلم يصح.
وكذلك: إذا أسلم في ثمرة نخلة بعينها، أو حائط بعينه.. لم يصح السلم؛ لما رُوي: «أن يهوديًّا قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هل لك يا محمد، أن تبيعني تمرًا معلومًا إلى أجل معلوم من حائط بني فلان؟ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يا يهودي، ولكن أبيعك تمرًا معلومًا إلى كذا وكذا من الأجل».

.[مسألة: شرط المسلم فيه]

وإذا أسلم في شيء.. فمن شرطه أن يكون المسلم فيه موصوفًا معلومًا بالصفة؛ لحديث ابن عبّاس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أسلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم». فذكر الكيل، والوزن، والأجل؛ لينبه بذلك على غيره من الصفات، ولأنه إذا لم يكن معلومًا بالصفة.. أدَّى إلى الجهل بما يطالب به.
قال الشافعي: (ويكون معلومًا عند غيرهما، حتى لو تنازعا فيه.. أمكن الرجوع إلى الشاهدين).
قال القفال: إنما قال ذلك على سبيل الاحتياط، فإن أسلم في مكيل.. ذكر مكيالاً معتادًا عند العامة. وإن كان في موزون.. ذكر ميزانًا معتادًا عند الناس.
قال الشيخ أبو حامد: يعني صنجة معتادة، حتى لا يخاف انقطاع ذلك. وإن كان أسلم في مذروع ذكر ذراعًا معتادًا عند الناس.
قال الصيمري: يكون الذراع من الحديد أو الخشب، لا ذراع اليد؛ لأن ذلك يختلف.
فإن علّق ذلك على مكيال بعينه، لم يعرفا له عيارًا، أو رطلاً بعينه، لم يعرفا عياره.. لم يصح السلم؛ لأنه لا يؤمن أن يتلف ذلك المعيَّن قبل المحل.
قال الشافعي: (ولو قال: أسلمت إليك في مثل هذا الثوب.. لم يصح السلم؛ لأنه ربّما لا يبقى ذلك الثوب إلى المحل). وقال في (الصداق): (ولو أصدقها ملء هذه الجرة خلاًّ.. لم يصح؛ لأنها ربما انكسرت قبل حصول الخل).
وإن أسلم فيما يكال بالوزن.. جاز؛ لأنه أحصر. وإن أسلم فيما يوزن بالكيل، وهو مما يمكن كيله.. جاز؛ لأنه يصير به معلومًا، بخلاف البيع في الربا.

.[فرع: السلم في الفاكهة]

ويجوز السلم في البطيخ والقثاء والخيار والرُّمان والسفرجل والكمثرى والخوخ والبيض وزنًا، ولا يجوز عددًا، ولا كيلاً؛ لأن ذلك يختلف. وأمّا التين: فيجوز السلم فيه كيلاً ووزنًا؛ لأن ذلك يمكن فيه. وأمّا الجوز واللَّوز: فلا يجوز السلم فيها عددًا، ولكن يجوز وزنًا، وهل يجوز كيلا؟ فيه وجهان:
الأول: قال أبو إسحاق: يجوز كيلا؛ لأنه يمكن كيله.
والثانيـ وهو المنصوص ـ: (أنه لا يجوز؛ لأنه يتجافى في المكيال).
وقال أبو حنيفة: (يجوز السلم في البيض والجوز واللوز عددًا؛ لأن التفاوت بين ذلك بالعدد فيه قليلٌ). وهذا لا يصح؛ لأن ذلك يختلف ويتباين ويتفاوت، فلم يصح السلم فيه بالعدد، كالرُّمان والبطيخ.
ويجوز السلم في البقول، كالكرَّاث والبصل والنَّعناع والهندباء، ولا يجوز السلم فيه حزمًا؛ لأن ذلك يختلف. ولا يصح السلم فيها إلا وزنًا.
قال الشافعي في "الأم" [3/113] (ويجوز السلم في قصب السكر، إذا ضبط بما يعرف به، ولا يقبل أعلاه الذي لا حلاوة فيه، ويقطع مجامع عروقه من أسفله، ويطرح ما عليه من القشور، ولا يجوز السلم فيه إلا وزنًا؛ لأنه لا يمكن غيره. وكذلك يجوز السلم على القصب، والقصيل وكلِّ ما تنبت الأرض، ولا يجوز السلم فيه إلاَّ وزنًا).

.[مسألة: السلم في التمر]

وإذا أسلم في التمر.. فلا بد من ذكر سبعة أشياء:
الجنس: وهو قوله: تمر. والنوع: وهو أن يقول: برنيٌّ، أو معقليٌّ، أو صيحانيٌّ. واللون: وهو أن يقول: أحمر، أو أسود؛ لأن النوع الواحد قد يختلف لونه. ويذكر دقاق الحب، أو كبار الحب. ويذكر البلد؛ لأن ما يشرب من الماء العذب يكون أعذب مما يشرب من المالح. جيدٌ، أو رديءٌ. حديثٌ، أو عتيقٌ، وإن قال: عتيق عام أو عامين.. كان آكد.
وقال أصحاب أبي حنيفة: يذكر الجنس، والنَّوع، والجودة لا غير.
دليلنا: أنه يختلف باختلاف ما ذكرناه، فلم يكن بدٌّ من ذكره، كالجنس والنَّوع.
وإن أسلم في الرطب.. ذكر جميع صفات التمر، إلاَّ العتيق، فإن الرُّطب لا يكون عتيقًا.

.[فرع: السلم في البُرِّ]

وإن أسلم في الحنطة.. وصفها بستة أوصاف:
الجنس، فيقول: حنطة. والنوع، وذلك بذكر البلد. واللون، فيقول: سمراء، أو بيضاء. صغار الحب، أو كباره. جيِّدٌ، أو رديءٌ. حديثٌ، أو عتيقٌ.
قال الشافعي [في "الأم" 3/91] (ويصفه بالدقة، والحدارة).
و(الدقة): أن يكون الحب دقيقًا، فيكن دقيقه قليلا، ولكن خبزه أكثر؛ لأنه يشرب الماء.
و(الحدارة): امتلاء الحب؛ لأن دقيقه أكثر، وخبزه أقل.
قال ابن الصبّاغ: وأمّا العلس: فلا يصح السلم فيها؛ لاختلاف الأكمام،
وتغيب الحب. وكذلك لا يجوز السلم في الأرز؛ لما ذكرناه في العلس.
وأمّا السلم على الدقيق: فالمنصوص: (أنه يجوز)؛ لأنه يصفه بالنعومة، والخشونة.
وقال أبو القاسم الداركي: لا يجوز؛ لأنه لا يمكن ضبط صفته. وليس بشيء.
قال الشافعي: (فإن أسلم في طعام على أن يطحنه.. لم يجز)؛ لأنه سلم في طعام وصنعةٍ. وإن شرط على أن يعطيه عن الطعام دقيقًا مثل مكيله.. لم يصح؛ لأنه شرط أن يعطيه أقل من حقه؛ لأن مكيله حنطة أكثر من مكيله دقيقًا.

.[فرع: السلم في الذرة]

وإن أسلم في الذرة.. فإنّها توصف بستة أوصاف:
فيذكر الجنس، وهو أن يقول: ذرة. والنوع، فيقول: شريحيٌّ، أو أبيض، أو حدارٍ. والبلد الذي زرعت فيه؛ لأن ذلك يختلف. ويصف الحبّ، فيقول: كبار الحب، أو صغار، جيّد، أو رديء، حديث، أو عتيق. وأمّا اللون: فيحتمل أن لا يفتقر إليه؛ لأن ذكر النوع يشتمل عليه.
وإن أسلم إليه في أجود الطعام.. لم يجز؛ لأنّا لا يمكننا أن نجبر المسلم على قبوله؛ لأنه ما من طعام يأتي به المسلم إليه، ويقول: هذا الذي أسلمت إليك فيه، إلا ويقول المسلم: أسلمت في أجود منه، فلم يصح السلم فيه؛ لذلك.
وإن أسلم إليه في أردأ الطعام.. ففيه قولان:
أحدهما: لا يصح، كما لا يصح في الأجود.
والثاني: يصح، وهو الصحيح؛ لأنه أي طعام أتى به المسلم إليه.. فإن المسلم يجبر على قبوله؛ لأنه وإن كان غيره أردأ منه، إلاَّ أنَّ المسلم إليه قد تطوع بزيادة لا تتميز، فلزمه قبوله.

.[فرع: السلم في العسل]

وإن أسلم في العسل.. قال: عسل من رعي كذا؛ لأن النحل يقع على الكمّون والصعتر فيكون دواء، وقد يقع على أنوار الفاكهة، قال الشيخ أبو حامد: فيكون داءً. ويذكر اللون، فيقول: أبيض، أو أحمر، أو أصفر. ويذكر الوقت، فيقول: خريفي، أو ربيعي، أو صيفي؛ لأنه يختلف باختلاف الأوقات. ويقول: جيِّدٌ، أو رديءٌ.
قال الشافعي: (فإن قال: عسل مصفّى.. كان أَولى. وإن لم يذكر ذلك.. جاز)؛ لأن العسل اسم للمصفى.
فإن جاءه بعسل مصفًّى من الشمع بالشمس، أو بنار ليِّنة تجري مجرى الشمس.. لزم المسلم قبوله، وإن صُفِّي بنار شديدة.. لم يجبر المسلم على قبوله؛ لأن هذا نقص فيه.
وإن أتى به رقيقًا، فإن كانت رقَّته لشدة الحر، أو تأثير الهواء.. أُجبر المسلم على قبوله. وإن كانت رقته أصلية.. لم يجبر على قبوله؛ لأن هذا عيب فيه.

.[فرع: السلم في الشمع]

قال الصيمري: ويجوز السلم في الشمع مصبوبًا، وغير مصبوب.

.[مسألة: السلم في القن]

قال الشافعي: (وإن كان ما أسلم فيه رقيقًا.. قال: عبدٌ نوبيٌّ خماسيٌّ، أو سداسيٌّ، أو محتلمٌ). وهذا كما قال: إذا أسلم في الرقيق.. احتاج إلى ستة أوصاف:
النوع، فيقول: حبشيٌّ، أو زنجيٌّ، أو روميٌّ، أو تركيٌّ.
واللون إن كان يختلف لون النوع، كالأبيض، والأصفر، والأسود.
وإن كان النوع الواحد يختلف.. فهل يحتاج إلى ذكر الأنواع منه؟ فيه قولان، ذكرهما الشافعي في (الإبل).
ويذكر أنه ذكر أو أنثى.
ويذكر السن، فيقول: بالغ، أو غير بالغ، ابن ثمان سنين، أو عشر. ويرجع في بلوغه إليه.
وأمّا السن: فإن كان مولَّدًا.. رجع إلى من ربّاه. وإن كان جلبيًّا.. رجع إلى أهل الخبرة من النَّخَّاسين.
ويذكر القامة، فيقول: خماسيٌّ، أو سداسيٌّ. فـ (الخماسيُّ): ما كان طوله خمسة أشبار، و(السداسيُّ): ما كان طوله ستة أشبار، وهو دون قامة الرجل، فإن قامة الرجل سبعة أشبار.
ويقول: جيد، أو رديء. فإن كان عبدًا.. فالمستحب: أن يجليه، فيقول: أزج الحاجبين، أدعج العينين، وما أشبه ذلك، ولا يجب ذلك. وإن كانت جارية.. فهل يجب أن يذكر أنها ثيب، أو بكر؟ فيه وجهان:
الأول: قال الشيخ أبو حامد: لا يجب ذلك، ولم يذكرها الشافعي، وإنّما يستحب؛ لأن الثمن لا يختلف بذلك اختلافًا متباينًا.
والثاني: قال الشيخ أبو إسحاق في "المهذب"، والصيمري: يجب؛ لأن الثمن يختلف بذلك. والمستحب: أن يصفها بأنها جعدة أوسبطة، ولا يجب ذلك؛ لأن الثمن لا يختلف باختلافه اختلافًا متباينًا.
قيل للشيخ أبي حامد: فإذا كان بيع الجارية لا يصح حتى يشاهد شعرها.. فهلاَّ
كان وصفه في السلم شرطًا؟ فقال: ليس كل ما تشترط رؤيته في بيع العين يشترط وصفه في بيع السلم. وإن قال: عبد أعور، أو أعمى، أو مقطوع اليد.. جاز.
قال الصيمري: وإن أسلم في جارية ذات زوج، أو عبدٍ ذي زوجة.. جاز؛ لأن ذلك يوجد غالبًا.
وإن أسلم جاريةً صغيرةً في جاريةٍ كبيرةٍ.. ففيه وجهان:
أحدهما قال أبو إسحاق: لا يجوز؛ لأن الصغيرة ربّما كانت كبيرة في المحل، فيأتي بها، فيجبر على قبولها، فيكون قد أخذ جارية ووطئها، ثم ردّها فيصير في معنى من استقرض جارية.
والثاني: من أصحابنا من قال: يجوز؛ لأنه حيوان يجوز السلم فيه، فجاز إسلام بعضه ببعض، كالإبل.
وما قاله الأول.. لا يصح؛ لأنه قد يشتري جارية، فيطؤها، ثم يجد بها عيبًا، فيردُّها، ولا يجري مجرى الاستقراض.
فإذا قلنا بهذا: فجاء بالصغيرة وقد كبرت، وصارت بصفة المسلم فيها.. فهل يجبر المسلم على قبولها؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجبر؛ لأنه يؤدي إلى أن يكون الثمن والمثمن واحدًا، وهذا لا يجوز.
والثاني: يجبر؛ لأن الثمن هو الذي يسلّم إليه، والمثمن هو الموصوف في الذمة، وهذه المدفوعة تقع عمَّا في الذمة.

.[فرع: السلم في الإبل والخيل والغنم]

وإن أسلم في الإبل.. احتاج إلى خمسة شرائط:
النوع، فيقول: من نتاج بني فلان. والسن، فيقول: بنت مخاض، أو بنت لبون، أو حقة. ذكر، أو أنثى. جيِّدٌ، أو رديء. أحمر، أو أصفر، أو أبيض، أو أسود.
فإن كان نتاج بني فلان يختلف.. فهل يحتاج إلى ذكر ذلك؟ فيه قولان: أحدهما: لا يحتاج إلى ذلك؛ لأن النِّتاج الواحد يتقارب ولا يختلف.
والثاني ـ قاله ابن الصَّباغ، وهو الأقيس ـ: أنه لا بد من ذكره؛ لأن الأنواع مقصودةٌ، وهي: المهرية، والأرحبية، والمجيدية، فوجب ذكرها.
إذا ثبت هذا: فإن الشافعي قال: (يقول: غير مودن، نقيٌّ من العيوب، سبط الخلق، مجفر الجنبين).
فـ (المودن): الناقص الخلق. وقوله: (سبط الخلق) يعني: مديده. (مجفر الجنبين) يعني: ممتلئ الجوف، منتفخ الخواصر.
ولا يختلف أصحابنا: أن ذلك تأكيد، وقد قال في ["الأم" 3/84] (وأحب إلي أن يقول: نقيٌّ من العيوب. وإن لم يقله.. لم يكن عيبًا). وهذا يدل على ما قلناه.
وإن أسلم في الخيل.. ذكر فيها صفات الإبل، فإن ذكر شيته كالبلقة، والتحجيل، والغرة.. جاز. وإن لم يذكر ذلك.. جاز، وكان له البهيم، وهو لونٌ واحدٌ؛ لأنه إذا قال: أدهم أو أشقر أو أبيض.. اقتضى ذلك لونًا واحدًا.
وأمّا البغال والحمير: فلا نتاج لها، فيصفها وينسبها إلى بلادها، ويذكر اللون، والسن، والذكورية، والأنوثية، والجودة، والرَّداءة.
وأمَّا الغنم: فيذكر في السلم عليها: الجنس، فيقول: شاةٌ. والنوع، فيقول:
ضأنٌ، أو معزٌ من غنم بلد كذا. ويذكر السن. والذكر أو الأنثى. واللون. والجودة أو الرَّداءة.
فإن أسلم في شاة لبون.. ففيها قولان:
أحدهما: لا يجوز؛ لأنه سلم في شاة، ولبن مجهول.
والثاني: يجوز، ويكون ذلك شرطًا يتميز به، ولا يكون سلمًا في لبن؛ لأنه لا يلزمه تسليمها وبها لبن، بل له أن يحلبها، ثم يسلمها.

.[مسألة: السلم في الثياب والورق]

وإن أسلم في الثياب.. احتاج إلى ذكر الجنس، فيقول: كتّان، أو قطن. والنوع، فيقول: بغداديٌّ، أو رازيٌّ، أو بصريٌّ في الكتان. وإن كان قطنًا.. قال: هرويٌّ، أو مرويٌ. ويذكر الطول والعرض، والدقة والغلظ، والصَّفاقة أو الرقة؛ لأنه قد يكون غليظًا رقيقًا، وقد يكون غليظًا صفيقًا، فالصفاقة بخلاف الغلظ. ويذكر جيِّدًا، أو رديئًا. خشنًا، أو ناعمًا. وإن لم يذكر الجنس، وذكر النوع.. كان كافيًا.
وإن أسلم في ثوب، فذكر أنه مقصور، أو خام.. جاز. وإن أطلق.. سلَّم إليه ما شاء منهما. وإذا أسلم في الثوب، وضبطه بهذه الصفات، وشرط معها وزنًا معلومًا.. ففيه وجهان:
أحدهما قال الشيخ أبو حامد: لا يصحُّ؛ لأنه لا يكاد يتفق ثوبٌ على هذه الصفات المشروطة مع وزن معلوم. والثاني: قال القاضي أبو الطيب: يصح، وقد نص الشافعي على: (أنه إذا أسلم في آنية، وذكر لها وزنًا معلومًا.. صحّ).
وإن أسلم في ثوب لبيس.. لم يصح؛ لأنه يختلف ولا ينضبط.
قال الصيمري: ويجوز السلم في القمص والسراويلات، إذا ضبطت بالطول، والعرض، والضيق، والسعة.
وإن أسلم في ورق.. وصفه بالنوع، فيقول: طلحيٌّ، أو زيديٌّ، أو نعمانيٌّ.
والطول والعرض، [فيقولدقيق، أو غليظ. صفيق، أو رقيق. جيّد، أو رديء. ويذكر اللون، فيقول: أبيض، أو أصفر، أو أحمر. وإن ذكر الوزن مع ذلك.. احتمل الوجهين في الثوب.

.[فرع: السلم في المعدن والأواني والعلوق]

وإن أسلم في النُّحاس والرصاص والحديد.. ذكر الجنس، فيقول: رصاص، أو نحاس. والنوع، فيضيف ذلك إلى البلد. ناعمٌ، أو خشنٌ. جيدٌ، أو رديءٌ. ويذكر اللون إن كان يختلف. وإن كان حديدًا.. ذكر مع ذلك ذكرًا أو أنثى؛ لأن الذكر منه أكثر ثمنًا؛ لأنه أحدُّ وأمضى.
وأمّا الأواني المتخذة منها: فإن استوى وسطه وطرفاه، كالسطل، والطست.. جاز بعد أن يذكر سعة معروفة من الطول والتدوير والعمق. وإن كان مما يختلف، كالأباريق، والقماقم، والمسارج.. ففيه وجهان:
أحدهما قال الشيخ أبو حامد: لا يجوز، كما لا يجوز السلم في النبل المعمول.
والثاني: قال القاضي أبو الطيب: يجوز؛ لأن الشافعي نص في "الأم" على صحة السلم على القمقم، ولأنه يمكن وصفه ولا يختلف اختلافًا متباينًا.
وإن اشترط وزنه.. كان أولى. وإن لم يشرط وزنه.. جاز. نصّ عليه الشافعي.
قال الصيمري: وإن أسلم في علوق الذهب والفضة.. قال: مصمت أو مجوف. فأما المحشوُّ منها: فلا يصح السلم فيها.

.[مسألة: السلم في اللحم والشحم]

ويصح السلم على اللحم.
وقال أبو حنيفة: (لا يجوز).
دليلنا: أنه يمكن ضبط صفاته، فجاز السلم عليه، كالثمار.
إذا ثبت هذا: فإنه يذكر في السلم عليه سبعة شرائط:
فيذكر الجنس، فيقول: هو لحم بقر، أو إبل، أو غنم.
والنوع، فإن كان من البقر.. قال: لحم بقر أهلي، أو جواميس، أو عراب، أو بقر الوحش. وإن كان من الغنم.. قال: ضأن، أو ماعز.
والسن، فيقول: صغير، أو كبير. فإن كان صغيرًا.. قال: فطيم، أو رضيع. وإن كان كبيرًا.. قال: جذع، أو ثنيُّ.
ويقول: ذكرٌ، أو أنثى، فإن كان ذكرًا.. قال: خصيّ أو فحل.
سمين، أو مهزول، ولا يقول: أعجف؛ لأن العجف عيب، وهو: أن يصيبه هزال من عيب، وذلك لا يعلم قدره.
ويقول: راع أو معلوف؛ لأن لحم الراعية أطيب.
ويذكر الموضع الذي يؤخذ منه، فيقول: من لحم الرقبة، أو الكتف، أو الجنب، أو الفخذ؛ لأن كل ما قرب من الماء.. كان أطيب، ولحم الفخذ أدون؛ لأنه أبعد من الماء.
فإذا ثبت هذا: فإن اللحم يسلمه إليه مع العظام؛ لأن اللحم يذكر مع العظام، فأشبه النوى في التمر، ولأن العظم يلتزق باللحم ويتصل به أكثر من اتّصال النوى بالتمر. فإن تطوع المسلم إليه، وأخرج العظم منه.. جاز.
وإن أسلم في الشحم.. ذكر فيه صفات اللحم، وذكر أنه من شحم البطن، أو غيره.
ويجوز السلم على الأليات بالوزن.

.[فرع: السلم على لحم الصيد بأنواعه]

وإن أسلم على لحم صيد في بلد يوجد فيه غالبًا.. ذكر النوع، فيقول: غزالٌ، أو ظبيٌ، أو وعلٌ. ذكرٌ، أو أنثى. ولا يقول: خصيٌّ، أو فحلٌ؛ لأن لا يكون إلاَّ فحلاً. والسنّ، فيقول: صغير، أو كبير، فإن كان صغيرًا.. قال: فطيم، أو رضيع؛ لأن لحم الرضيع أطيب وأرطب. ويذكر السمن، أو الهزال. جيّدًا، أو رديئًا. والموضع الذي يُعطى منه.
قال الشيخ أبو حامد: ويذكر الآلة التي يصطاد بها؛ لأنها إذا صيدت بالأحبولة.. كان لحمها أطيب من لحم ما صيد بالسهم. ويقال: إن ما صيد بالكلب أطيب ممّا صيد بالفهد؛ لأن فم الكلب مفتوحٌ أبدًا، فنكهته أطيب، وفا الفهد منطبق، فنكهته كريهة.
وقال ابن الصبَّاغ: إن كان اللحم يختلف بذلك اختلافًا متباينًا.. وجب ذكره. وإن كان اختلافًا يسيرًا.. لم يجب ذكره.
فأمّا لحم الطيور: فيذكر النوع، فيقول: حمامٌ، أو عصافير، أو قنابر. سمينٌ، أومهزول. جيِّدٌ، أو رديءٌ. ولا يمكن معرفة الذكر والأنثى منه، فإن اختلف فيهما وأمكن معرفته.. وجب ذكره. ويذكر الصغير والكبير، ولا يذكر السن؛ لأنه لا يعرف. فإن كان الطير كبيرًا.. ذكر الموضع الذي يعطى منه، ولا يلزمه أن يقبل فيه الرأس والرِّجل؛ لأنهما عظمان، وإنما أسلم في اللحم.
وإن كان لحم سمك.. ذكر النوع، والصغر والكبر، والجودة أو الرداءة. وإن كان كبيرًا.. ذكر الموضع الذي يعطى منه، ولا يجوز أن يعطي في الوزن الذنب والرأس.